Friday, August 8, 2014

الاختيار والتقليد




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... هذه المشاركة عبارة عن كلمات متفرقة وتوضيح لبعض الأمور المتعلقة بالاختيار والتقليد. أولا مسألة حرية الاختيار, من المسائل التي أُكثر من ذكرها في مشاركاتي, ستجدون بأني أكرر وأقول أن الإنسان حر وله حرية الاعتقاد, وأقصد بذلك أنه أوتي القدرة على حرية الاختيار وليس لأحد أن يجبره أن يختار خلاف ما يريده في مسائل الاعتقاد, أما الأمور الدنيوية فبمجرد تمرد حريته على حرية غيره أو حقوقهم تسلب منه هذه الأحقية. أما الأمور الاعتقادية مثلا يؤمن بالله سبحانه وتعالى أو يؤمن بشيء آخر هذا أمر لا يمكننا أن نجبره, لأننا لو أجبرناه على الإيمان بالله وقلبه لا يؤمن به فلا يقبل ويصح منه هذا الإيمان وإيمانه باطل وكذلك المؤمن الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإنه يصح إيمانه, وهذا معروف استنادا على آيات القرآن الكريم فلن أفصل في ذلك.

لعل من قرأ كتب بعض علمائنا فسوف يقول: "لكن عبادة الله حق الله على العبيد لابد من تأديته" فقد قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) وهو كذلك, فالله يريد منا أن نعبده ولا نشرك به شيئا وهذا يشمل جميع الخلق, ولكن بما أنه حق لله, فهو الذي يحدد كيف  يقبل هذا الحق من الخلق, وقد فعل ذلك بالابتلاء! فهو سبحانه أرشدنا ما الذي يريده, وكيف يريده. فالذي يريده هو الإيمان به وعدم الإشراك به شيئا, وكيف ذلك؟ بالاختيار! وليس بالإكراه! فمن اختار أن يعبده فإنه يجازيه في الآخرة, ومن اختار أن لا يعبده فكذلك يحاسبه في الآخرة. ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ((لا إكراه في الدين)) وكم مرة ذكّر رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه مجرد نذير وبشير, وليس عليهم بوكيل وليس عليهم بحفيظ...الخ قال الله سبحانه وتعالى: ((نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)) فالله سبحانه وتعالى يعرف كفر من كفر, ولكن ليس المطلوب إجبارهم وهذا من لطائف قوله سبحانه وتعالى: ((وما أنت عليهم بجبار)) ورب قائل قد يقول: "لكن يا رب إنهم يكفرون بك فما السبيل إلى هدايتهم" فالرد جاهز والحمدلله: ((فذكر بالقرآن من يخاف وعيد))

ثانيا: لابد من التفرقة بين حرية الاختيار وصحة الاختيار. فالإنسان كما بيّنت سابقا بأنه يمتلك حرية اختيار ما يعتقد, ولكن لا يعني هذا بالضرورة بأن اختياره صحيح. فكما أن الإنسان قد يختار أن ينتحر أو يقتل نفسا يعتبر مخطئا ومجرما في حق نفسه أو غيره, فكذلك من اختار الكفر بالله فهو كافر ومخطئ. ((‏وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى‏))

وأما المسألة الثالثة: التقليد في الاعتقاد وهو مذموم شرعا وذلك لأن الإنسان الذي يُقلد قد يظن بأنه اختار ما اختاره من هو أعلم منه أو أعظم مكانة منه فيقلده, وهذا التقليد مذموم لأنه عطل نعم الله عليه من تفكّر وتدبر وتعقل, فقد كان بإمكانه أن يختار لنفسه أن يفكر في المسألة التي تمر عليه ومن ثم يقرر بنفسه, فهذا الإنسان لم يجبر يوما على التقليد, فإن اجبر فمباشرة يتحول التقليد إلى الإكراه, ولهذا هناك فرق بيّن و واضح في القرآن الكريم بين التقليد والإكراه. أريدكم أن تتدبروا هذه الآية: ((قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ)) لماذا قال الله سبحانه وتعالى لكل ضعف؟ لأن المقلد في حقيقة الأمر يملك الاختيار وكان بإمكانه أن يخالف من أطاعه ولكن اختار أن يتبعه بخلاف ما يظن المقلد, فإنه يظن في نفسه إن هو اختار التقليد اليوم فإنه يسلم من العقوبة غدا أو يظن أن من يقلده سيغني عنه شيئا! هيهات هيهات...

يحسن بي في هذا المقام أن أذكر المسلمين بعدم تقليد العلماء جزافا. كم من اليوم نجد من المسلمين يقلدون بعض العلماء فقط لأنهم يُعرفون اليوم عند جمهور المسلمين بأنهم من العلماء وربما هم في واقع الأمر من شياطين الإنس والعياذ بالله. أحبتي في الله, في النفس البشرية تجد الفطرة, والإثم ما حاك في النفس, فإن وجدت أمرا ما حاك في نفسك وخشيت أن يطلع عليه الناس ومن ثم أفتاك هذا العالم بجوازه فلا ينبغي لك أن تقلده, لأن هذا العالم لن يغني عنك شيئا وسيتبين لكم ما أقصده بضرب مثال عن نفسي... أحيانا أجد أقوال العلماء غير مقنعة بل أظن أقوال بعضهم كفرا فلا آخذ بها وإن كان هذا القائل معروف عند الناس بأنه عالم, لأن العبرة بما يقع في قلبي, فإن أنا اخترت أن أقلده فقط لأنه عالم وأنا في نفسي يغلب على ظني أن ما اختاره هذا العالم كفر بالله, فإن تقليدي للعالم يعني أني اخترت الكفر بالله بدلا من الإيمان الذي في قلبي. فيوم القيامة وإن كان اختيار العالم في النهاية صحيحا فإنه يغلب على ظني أني محاسب أمام الله والله أعلم, لأني تجرأت على اختيار أمر كنت أظنه كفرا. وهكذا أجد أحاديث ينسبها بعض العلماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, لا آخذ بها, لأن فيها تنقيصا لرب العالمين أو إساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فإني لا آخذ بها إن وقع في قلبي بأنه نقص لله سبحانه أو إساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن قال العلماء بأن الحديث صحيح. فإني لن أستطيع أن أجيب الله سبحانه وتعالى إن سألني يوم القيامة: "كنت تعتقد أن هذا الحديث فيه تنقيص لي وإساءة إلى رسولي, فلم اخترت أن تؤمن بذلك؟" والله مجرد التفكر في هذا الأمر ملأ قلبي خجلا وخوفا منه سبحانه فليس عندي أية إجابة, اللهم أسألك أن تريني الحق حقا وترزقني اتباعه, وتريني الباطل باطلا وترزقني اجتنابه... قد لا يعجب البعض هذه الفقرة, فأنصحه بعدم التعجل وقراءة الفقرة مرتين وثلاث كما يقول أحبتنا في مصر: "بالـراحـة"

رابعا مسألة تقليد الآباء, وهو مذموم شرعا إن كان يخالف أمر الله, وحتى إن لم يكن يخالف فالإنسان عندما يعطل هذه النعم ويقلد غيره فإنه لا شك أقل درجة من الذي يختار ويبني اختياره على علم ودراسة سواء بالآيات الكونية أو الشرعية. ومن يقلد من يؤمن بالله لا شك أنه خير من الذي يقلد من يكفر بالله, فالثاني أقصد الكفرة بالله لا يمكن البرهان عليه, ولا يتأتى إلا من معاند ومكابر لآيات الله سبحانه وتفصيل هذه الأفضلية يطول جدا وليس هذا موضعه.  كم من مسلم اليوم يؤمن بالله سبحانه وتعالى ويؤمن بنبيه صلى الله عليه وسلم, ومن ثم لا يدري لماذا يؤمن بالله وستجد كثيرا منهم يقلد من سبقه. فإنه لو سأله أي إنسان سواء مسلم أو غير مسلم: "أعطني 5 آيات تدل على وجود الله" لم يستطع! وإن قلت له أثبت لي أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون كلام بشر لربما فشل, وإن سألته أثبت لي أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق ربما لم يجد إجابة مقنعة! والمفروض أن المسلم العامي يعرف هذه الأمور وهو في المرحلة الابتدائية وتكون له إجابات لهذه المسائل المهمة, يجب أن يكون إيمان المسلم نابع عن قناعة وفكر وليس فقط مجرد تقليد للآباء. أما من لا يملك وسائل طلب العلم لهذه الأمور أو به نوع من الجنون والغفلة (وهم قلة) فلا مانع حينئذ أن يقلدوا, هذا والله أعلم. وما كان من صواب فمن الله سبحانه وتعالى وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


No comments:

Post a Comment