Monday, September 1, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم - من هو الصحابي؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... هذه المشاركة هي محاولة لبيان خطأ الوهم السائد عند عوام الناس وصغار طلاب العلم بأن هناك تعريف واحد للصحابي, والهدف من هذه المشاركة هو اثبات وجود خلاف في تعريف الصحابي حتى عند علماء أهل السنة. وبما أن معرفة من هو الصحابي مهم جدا و ذلك لأن الأحكام ستبنى على هذه المعرفة فالأفضل قبل الخوض في مسألة عدالة الصحابة لابد أولا من معرفة من هو الصحابي و حدّ الصحبة. لن أتطرّق إلى تعريف الصحابي لغة, فهو مشهور وسهل الحصول عليه عن طريق محرك البحث الشيخ Google! لكن لابد أيضا أن نسأل الباحثين في هذه المسألة, ما الذي تريدونه من التعريف الاصطلاحي للصحابي؟ هل تريدونه يوافق التعريف اللغوي أم تعريف آخر؟ فإن اختاروا التعريف اللغوي فلا يلزم عدالة جميع الصحابة, وإن أرادوا معنى مختلفا فيمكن للطرف الآخر أن يختارا تعريفا ويستند على أدلة وحجج وهكذا.

أما اصطلاحا, فاختلف العلماء في تعريف الصحابي  فمنهم من قال: هو: "من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام" وهذا تعريف ابن حجر رحمه الله وعليه جمهور أهل الحديث. وقال البعض "أن الصحابي هو من طالت صحبته للنبي  وكثرت مجالسته على طريق التبع له والأخذ" وهو ما حكاه السمعاني وهو القول المعروف عند بعض الفقهاء. وفي كتاب الأحكام في أصول الأحكام لعمر بن يحيى حكاية قول: "اشتراط طول الصحبة مع اشتراط الأخذ عنه" (أي عن الرسول صلى الله عليه وسلم). وقال آخر: "الصحابي هو من أقام مع رسول الله سنة أو سنتين وغزى معه غزوة أو غزوتين". والقول الرابع في تعريف الصحابي: "هو من رأى النبي  مسلماً بالغا عاقلا" والبخاري اختار هذا التعريف الواسع في صحيحه. والقول الخامس: "أن الصحابي هو من أدرك زمن النبي وإن لم يره" وهو أوسع الأقوال التي أعرفها. أما الأقوال الثلاثة الأخيرة استفدتها من الأخ أبو زياد النوبي صاحب بحث: "التبيان في دفع الافتراء عن الخليفة عثمان". فكما ترون هناك على الأقل خمسة أقوال, وهذا فقط إن أخذنا أقوال أهل السنة والجماعة, وأما المنتسبين للإسلام من الفرق الأخرى فلهم أقوال أيضا. فالقول بأن هناك اجماع في تعريف الصحابي قول غير صحيح ومجرد ارهاب فكري للباحث عن الحقيقة وللأسف يمارس هذا الارهاب بعض طلاب العلم ولكني لا أحب ذكر الأسماء.

وأقوى هذه الأقوال, القول الأول والقول الثاني. أما عامة أهل الحديث يختارون القول الأول ولعل الأسباب المعروفة, وهناك عدد لا بأس بهم من المعاصرين من يختارون القول الثاني. أما عن نفسي شخصيا فأرى أن القول الثاني أقوى. أولا لأني لا أعرف دليلا لغويا من أشعار العرب أو أقوال الجاهلية من أطلق لفظ الصحابي فقط لوجود ملازمة وإن كانت دقيقة أو أقل أو أكثر. ثم وإن كان دليل فالحقيقة من تأمل القرآن الكريم لوجد أن كلمة صحب ومشتقاتها تدل على طول الملازمة وهذا بيّن وظاهر مثل قوله سبحانه و تعالى: ((إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)) وقوله عز وجل: ((أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)) وكذلك عن (أصحاب النار) وغيرها, ومن درس سياق هذه الآيات وفهم معانيها لوجد بلا شك أن الملازمة طويلة. ثم هناك أمر آخر وهو من لم يطل صحبته ربما لم يتعلم شيئا من النبي صلى الله عليه وسلم, وربما لم يتعلم أحكام الدين وما شابه ذلك فكيف يكون له مزية خاصة, نعم أعلم هناك من سيقول فضل الله عظيم ولا مرية في ذلك, ولكني تأمّلت كل من زاد فضلا في القرآن الكريم له خصائص أكثر من غيره وهذا أيضا لست بحاجة إلى اثباته فهو بين وظاهر لمن قرأ القرآن. ولا مرية في أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم شيء طيب ولكن هل له الأفضلية ومطلق العدالة فقط من أجل ذلك؟ هذا قول لا يسانده الدليل إلا روايات لا تكاد تخلو من خلل، سواء في الإسناد أو نكارة في المتن أو فهم في غير محله. 

أما من السنة النبوية, فقد يُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال: ((‏لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه‏)) أقول لهؤلاء, لمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي" هل قال لمن سيأتي بعده بمئات السنين؟ أم قاله لمن كان حوله؟ القصة معروفة في صحيح مسلم وأنقلها لكم لمن لم يكن يعرفها: عن‏ ‏أبي سعيد ‏‏قال: "‏كان بين ‏خالد بن الوليد ‏وبين ‏عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه ‏خالد ‏ ‏فقال رسول الله‏: ‏لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل ‏أحد ‏ ‏ذهباً ما أدرك ‏مد ‏أحدهم ولا نصيفه" فمفهوم الحديث يدل بأن هناك فرقا بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد وهذا ظاهر جدا لكنه خفي على من يتكلّف فقط لاثبات عقائد من نسج أوهامه. ولا أعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في اختلاف قد حصل بين من ثبتت ملازمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم. ولعل هناك من يستدل بقصة أبو بكر وعمر بن الخطاب والخلاف بينهما وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الفرق الواضح بينهما وهو ما يوافق القرآن الكريم تماما.

ويستدل قوم بهذا الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يغزوا فئام من الناس ، فيقال لهم هل فيكم من رأى رسول الله ؟ فيقولون نعم ! فيفتح لهم ، ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم : فيكم من رأى من صحب رسول الله . فيقولون نعم فيفتح لهم..." الحديث. لن أبحث في اسناد الحديث فإن الموضوع سيطول ولكن لنفترض صحة الحديث من غير شبهات فأقول كما قال الأخ أبو جندب: "ليس في الحديث الذي ذكرته ما يدل على تعريف الصحابي بأنه الذي رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومات مؤمنًا بل فيه سؤال فقط عمن رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو رأى من صحبه، ثم لو كان الحديث دالاًّ على الصحبة لانتفى القيدان اللذان ذكرهما المحدثون وهما الإيمان عند اللقاء والموت على الإسلام لأنهما لم يردا في الحديث" وفي هذا توسع لا يسعفهم الدليل. والحقيقة ينبغي على الدارس أن لا يقطع سياق الحديث ولا البيئة ومتى قيل وأين والسبب...الخ ليميز الفرق في معنى الصحابي, ففي حديث قد يأتي بمعنى وفي حديث آخر بمعنى آخر.

فكما ترون أن الاختلاف قائم, والاختلاف الأقوى  بين القول الأول والثاني, ولكل فريق أدلة و حجج يستدلون بها على ما يختارونه لأنفسهم, فالذي أريد أن أقوله بأن ليس هناك يقين في المسألة، أقصد ليس هناك تعريف جازم للصحابي بحيث لا يحتمل هذا ولا ذاك, وبما أن مسألة التعريف اجتهادية فلا ينبغي أن يُنكر على أحدهم. فمثلا إن اختار إنسان قول الفقهاء ومن ثم دعى الناس إلى تفعيل الجرح والتعديل على الذين خرجوا من تعريف الصحابي عنده, فلا ينبغي أن يُنكر عليه. ثم إننا إن اخترنا القول الثاني فهناك عملية أخرى لابد أن نقوم بها, معرفة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لازموه مدة ليست يسيرة, كيف نعرفهم؟ هذا يعرف بالأخبار المتواترة كون فلان كان صاحب رسول الله عليه وسلم أو على الأقل بالاستفاضة إن لم يصل درجة التواتر المعنوي. وهناك من يقول بأننا يمكن أن نعرف ذلك باعتراف أحدهم بأنه صحابي وهذا صحيح لكن قبل الأخذ بكلامه لابد من ثبوت الخبر ومن بعد ثبوت الخبر لابد من معرفة عدالة هذا الراوي و ليس كل من يدعي شيئا يكنه.

أحب أن أقول بأني أظن والله أعلم بأننا عندما نعطي هذا اللقب "الصحابي" لكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومات مسلما فيه تنقيص لمن استحق هذا اللقب عن جدارة ويحصل على خصائص وفضائل هذا اللقب, أقصد بالصحابة الحقيقيون الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم والغالي والنفيس من المهاجرين والأنصار والذين سبقوا إلى الإيمان...الخ وإن المتأمل في آيات الله سبحانه وتعالى لا يجد هذا المدح العام إلا وفيه تخصيص, فإن لم يكن تخصيص فإن الله سبحانه يستخدم صيغة المؤمنين أو الذين آمنوا ولا يقول أصحابه أو الذين صحبوه فإن ذكر من معه فلابد أن يبين من هم. وأنقل لكم كلمات جميلة قرأتها في الشبكة للأخ أمير فوزي: "اعتقادي أن الصحابي في هذا المقام وهو من صاحب المصطفى مدة أدرك من خلالها روح التشريع ومقاصده وتعجبني مقولة شيخي الأخضر الأخضري بقوله: الحكم فرع عن معاشرته لا عن تصوره, ذلك أن الصحابي في هذا المقام يترجم ما تلبس به مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم, ولا يتأتى الفهم الصحيح لمراد الله ورسوله إلا لمن طالت معاشرته للتنزيل وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله و تقريراته". أما أدلة الذين اختاروا القول الأول وأن لهم خصائص عامة بشكل عام, فإن شاء الله سأعلق على أدلتهم في مشاركة أخرى.

وأخيرا أقول كعادتي, من استهدى بكتاب الله فإنه يكفيه, وإني كنت على ثقة تامة بأني سأجد حلا لمشكلة عدالة الصحابي في القرآن الكريم, فما إن بحثت إلا وفطنت إلى أمر لعله غاب عن البعض. يقولون بأن الصحابة كلهم عدول وكل من رأى وآمن به استدلالا بقوله سبحانه وتعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)) من هم؟ الصحابة؟ هل مدحهم لأنهم فقط عاصروه ونظروا إليه بأعينهم؟ لا! قد عرفهم الله سبحانه فقال: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) نعم هؤلاء هم العدول, وأيضا وصفهم بصفات أخرى فقال عز و جل: ((لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) هذه هي صفات الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم, فمن كان من الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه هذه الصفات نعطيه هذا اللقب. لماذا نُعقّد الموضوع؟ لماذا لا نبحث فيمن نعطيه هذا اللقب اليوم (أقصد لقب الصحابي) وهذه الفضائل كلها ثم لا نبحث ونتساءل, هل هذا الذي أعطيتموه هذا اللقب جاهد بماله ونفسه, وهل هو من الأشداء على الكفار ومن الذين هم رحماء بينهم أم العكس؟ كيف نعرف هذه الأمور؟ بدراسة سيرهم ومن ثم تطبيق ما تعلمناه في الجرح والتعديل عليهم, فآيات الله سبحانه وتعالى هي المقياس لمعرفة عدالة الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والذين من بعد ذلك. هذا والله أعلم وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.

No comments:

Post a Comment