Saturday, September 13, 2014

الفرق بين القرآن والسنة - الجزء الثاني




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كتبت في بداية الشهر الماضي مشاركة بعنوان: "كلمات عن معنى الإيمان" وقلت بأن الإيمان أن تؤمن بشيء غيبي, أما الشيء الذي ليس له علاقة بما غاب عنك فأنت تصدق به. مثال ذلك, الكتاب تستطيع أن تراه, ولكن إن قال لك أحدهم بأن هذا الكتاب هو من عند الله, فهنا المسألة فيها غيب, فإما أن تكون مؤمنا بذلك أو كافرا. عندما ترى إنسانا يدعي بأنه الرسول صلى الله عليه وسلم فهنا إما أن تؤمن وإما أن تكفر, لأن هناك علاقة غيبية, وقد شرحت ذلك في المشاركة السابقة ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المشاركة. سبب هذه المشاركة أني كنت البارحة في نقاش مع شيخي واثنان من تلامذة الشيخ الفضلاء (والحقيقة أكن للثلاثة كل التقدير والاحترام) إلا أني خالفتهم في كثير من الأمور وعندي أن أقول ما أظنه حقا خير من المجاملة والتقليد فإنهم لن يغنوني من الله من شيء ولن أغنيهم من الله من شيء.

كنا نتناقش البارحة عن مواضيع مختلفة منها مواضيع تتعلق بالقرآن والسنة. قلت لهم بأن الإنسان غير ملزم بأن يؤمن بوجود راوي من الرواة أو أحد الصحابة بعينه, فإنك إن افترضت بأن الصحابي أو الراوي غير موجود تاريخيا فهذا لن يضر إيمانك. أنكروا علي ذلك و قالوا إن الأحاديث والقرآن مبني كله على الأسانيد فإن أنت لم تعتمد على هذه الأسانيد لن تستطيع أن تثق بالقرآن. أقول بأن الأسانيد أمور ظنية لأنك لا تعلم ما بداخل هذا الإنسان من صدق أو كذب لأننا لا نعلم الغيب. وبما أن المسألة فيها غيب, فإما أن تؤمن بصدق الراوي أو الصحابي أو لا, وقد لا تؤمن بوجوده أصلا. وبما أن الله سبحانه وتعالى لم يلزمنا الإيمان بأعيان الصحابة والرواة من بعدهم إذا لن يضر المسلم إن هو لم يؤمن بوجود راو من الرواة إن هو آمن بأن كان طائفة من المؤمنين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي لنا أن نجبر مسلما أن يؤمن بوجود علي بن أبي طالب أو أبو هريرة ونقول له أنت كافر إن لم تؤمن بهما.

وعندما أردت أن أشرح هذه المسألة لم أنجح لأننا كنا أربعة أشخاص, فلا تسأل عن المقاطعة والمداخلات والإرهاب الفكري من هذا أو ذاك فلم يكن بالإمكان شرح هذه المسألة بيسر. قالوا بأنك بهذه الطريقة لن تستطيع أن تثق بالقرآن الكريم, قلت لهم هنا يأتي دور الإيمان, وهنا ينتفع الإنسان بالمشاركة التي كتبتها سابقة والتي كانت بعنوان: "كلمات عن معنى الإيمان" و المشاركة التي ذكرت فيها الفرق بين: "الفرق بين تواتر القرآن وتواتر السنة". لنفترض بأنك أمام أربعة كتب, الكتاب الأول مكوّن من مجلد واحد, كتاب مكوّن من 20 مجلدا, والكتاب الثالث مكوّن من مجلدين, والكتاب الرابع مكوّن من أربعة مجلدات. ليس لدينا معلومات عن هذه الكتب غير المحتويات (أقصد النص) فليس عندنا مؤلف الكتاب, وليس عندنا تاريخ تأليف الكتاب, وليس عندنا السند, وكيف وصلنا...الخ ثم وجدنا بأن الكتاب الأول فيه ادعاء بأنه كلام الله (لنفترض بأنه القرآن الذي في أيدي المسلمين اليوم), والكتاب الثاني المكوّن من 20 مجلدا (لنفترض بأنه كتب متون الحديث مثل البخاري ومسلم وسنن الترمذي وسنن النسائي...الخ ولكن من غير سند مجرد المتن), ولنفترض الكتاب الثالث المكوّن من مجلدين هو (التوراة التي عند اليهود اليوم), والكتاب الرابع المكوّن من أربعة مجلدات (و هو الكتاب المقدس كما يصفونه عند النصارى).

الآن أنت تختار, هل تؤمن بادعاءات هذه الكتب أو تكفر, فمثلا في القرآن, أنت تقرأ محتويات الكتاب, فأنت أيها الإنسان هو الذي يختار, هل هذا الكلام الذي وجدته في القرآن هو كلام الله عز و جل أم كلام أحد من البشر. اقرأ متون الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم, هل هو كلام نبي مرسل أم لا, لابد لك من الإيمان, أقصد لابد لك أن تختار أين تضع إيمانك, وبماذا تؤمن, لأن طرق معرفة كيفية وصول هذه الكتب إلينا غير متوفرة في المثال, فالمسألة فيها جانب غيبي. كيف تميّز بين هذه الكتب؟ ستميز أخي القارئ باختبارها و مقارنتها بكتب أخرى, فالقرآن عندما تقارنه بالكتب الأخرى لاشك بأنك ستجد الفرق الكبير بينه وبين بقية الكتب, فالقرآن معجز بذاته, معجز بألفاظه و معانيه, ولا تجد فيها تناقضا أبدا ولا أدنى خلل وهكذا. ثم إنك اختبرت الكتاب الثالث أو الرابع فوجدت فيهما تناقضا فاحشا, ثم درست الكتاب الثاني المكوّن من عشرون مجلدا فوجدته لا يختلف عن كلام البشر بل يشبه كلام البشر إلى حد كبير, وأن الإنسان يمكن أن يأتي بمثله, وربما وجدته يناقض نفسه أحيانا.

لنفترض بأنك آمنت بأن الكتاب الثاني هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم, وبما أنه ليس لديك أي سند لمتون ما وجدته في الكتاب الثاني (المكوّن من عشرون مجلدا) فهنا أنت وضعت إيمانك في كتاب يحتمل أن يكون كتبه بشر أو كتبه نبي. نعم أنت الذي اخترت ولكن اختيارك كان يحتمل هذا وذاك, ولكن عندما قرأت القرآن فأنت وضعت إيمانك في كونه كلام الله ولم يكن هناك احتمال آخر أن يكون كلاما بشريا للاختلاف الظاهر, ولا أكاد أشك بأنه سيأتي متعنت يجحد هذا أو ذاك. المسألة في النهاية مسألة إيمانية, فمثلا احتمالية أو نسبة كون الكتاب الثاني المكوّن من عشرون مجلدا أن يكون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو كلام غيره هو تقريبا 50% ولكن احتمالية كون القرآن أن يكون كلام البشر (إن تنزلنا مع المتعنت) فلن يكون 50% بل أقل بكثير وذلك لأننا قمنا بالمقارنة والتجربة والتقييم والاختبار مقارنة مع كلام البشر.

فإن أنت آمنت بأن محتوى القرآن هو كلام الله, و تقرأ مثلا آية: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) وآمنت بذلك, لن يضرك عدم وجود سند للكتاب, ولن يضرك إن كنت لا تؤمن بوجود راو معين أو صحابي معين. ولا يمكنك أن تقول بأن الله فقط يحفظ هذا الكتاب بالصحابة أو الرواة أو العلماء أو ما شابه ذلك لأن هذا تضييق لقدرة الله سبحانه وتعالى. فالله قدرته مطلقة, لا يقيّد قدرته شيء, فيمكنه أن يحفظ هذا الكتاب عن طريق الملائكة, عن طريق مخلوق من مخلوقاته, عن طريق الأرض أو السماء أو أي شيء. بما أنك آمنت بأن الله يحفظه فلا يدخله تحريف أو تبديل أو ما شابه ذلك, فلن يضرك مثلا إن لم تؤمن بوجود إنسان اسمه عبدالله بن مسعود أو إنسان آخر اسمه عبدالله بن عباس أو معاوية أو عمر و هكذا. أما الأمر مع الكتب الأخرى (لنفترض الكتاب الثاني المكون من عشرون مجلدا) أنت مضطر أن تعرف السند لتميز هل الكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أ كلام أحد من البشر غيره, وكذلك مع الكتاب الثالث والرابع فأنت بحاجة إلى سند وذلك لأنك عندما قمت بالمقارنة اكتشفت وجود تناقض, أو خلل, أو مطابقة لمثل كلام البشر وهكذا فأنت في الحالات الأخرى تحتاج إلى سند بخلاف القرآن. وذلك لأن القرآن معجز بذاته, معجز بألفاظه, معجز بمعانيه معجز بتقسيمه...الخ بخلاف الكتب الثلاث الأخرى. نعم أنت بحاجة لتؤمن بوجود النبي صلى الله عليه وسلم, بحاجة لتؤمن بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر وكما هو مذكور في القرآن بغير زيادة...الخ وبغير اجبار الناس أن يؤمنون بأشياء أو إنسان لم يأمرنا الله الإيمان به.

فالمشايخ الذين كنت أناقشهم يرون بأنك لابد أن تؤمن بأعيان الصحابة لكي تؤمن بالقرآن, لابد أن تؤمن بالرواة أو الحفاظ لتؤمن بالقرآن لابد من سند, وهذا غير صحيح والحقيقة فيه نوع نقص للقرآن الكريم وشرح تفصيلي لبيان هذا النقص يطول جدا ولعلي أتعرض لشرح ذلك في مشاركات أخرى. قد تتساءل: "إذا كيف وصلنا هذا القرآن؟" أقول حتى لو لم تعرف كيف وصلك الكتاب لن يضر إيمانك كما شرحت سابقا. وإن قُلت بأنه يستحيل أن يصل إليك الكتاب إن لم يكن هناك رواة ينقلون الكتاب, أقول أولا بأنك تحاول تضييق القدرة, و لكن للتنزّل معك سأقول لك بأنه إن ثبت بأن هذا الكتاب وُجد في حقبة من الزمن, يكفي ذلك! فمثلا إذا بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن للناس يكفي, لأن الله سيحفظ هذا الكتاب بطريقة أو بأخرى ولا يلزمك الإيمان بأعيان الأشخاص لكن يلزمك الإيمان بما هو في الكتاب من وجود فئة من الناس يقال عنهم المهاجرين وآخرون الأنصار و موسى وعيسى...الخ نعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أنزل إليه من ربه, ولكننا قد لا نعلم متى بلغ وأين بلغ ولمن (أقصاد أعيان هذه الأمور, ولمزيد من التفاصيل يرجى قراءة ما كتبته سابقا بعنوان: "علم في المنام" فلا يلزمك معرفة كيف حفظ الله الكتاب لأنه لم يفصل الله سبحانه وتعالى كيف سيحفظ الكتاب ولكنه وعد بحفظه. فإن قلت: "وماذا إن لم يصلك هذا الكتاب؟ (أي الكتاب غير موجود اليوم)؟ فسأقول ربما لم يصلك أنت ولكنه وصل غيرك! فإن قلت بأنه لم يصلك أنت ولا غيرك واختفى الكتاب من الوجود بعد حملة ضده أو ما شابه ذلك, ولم يبقى للكتاب أثر, سأقول إذا إن الكتاب يناقض نفسه, إذا الكتاب ليس من عند الله وانتهى الأمر (وهذا مستحيل وتفصيل هذه الاستحالة أيضا بحاجة إلى مشاركة مستقلة).

أخيرا أحب أن أقول إنني عندما أقول ليس لنا أن نجبرك على اختيارك عدم الإيمان بفلان أو علان لا يعني أبدا بأن اختيارك هذا صحيح, فمثلا الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله, لا نستطيع أن نجبره أن يكون مسلما بدليل قول الله سبحانه وتعالى: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) ولكن لا يعني أبدا بأن اختياره هو الاختيار الصحيح. ولمزيد من تفاصيل مسألة الاختيار, يرجى مراجعة ما كتبته في المدونة عن تفاصيل تتعلق بموضوع الاختيار. ولا شك أن ما كتبته في هذه المشاركة غير ملزمة, فلك أن تتفق معي أو تخالفني, ولا أدعي العصمة ولا أدعي أني محق بشكل مطلق ولن ينفعكم إن أردتم ارهابي فكريا بقول: "تخالف العلماء, وتخالف السلف و قرآني و معتزلي و زنديق و و...الخ" فإن هذا الارهاب الفكري لا يعني لي شيئا, من أراد أن ينتقد فليترك العواطف جانبا. هذا والله أعلم.

No comments:

Post a Comment