Wednesday, November 20, 2013

أصل الخوف




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... من عادتي أن أتأمل نفسي وصفاتي والمشاعر المختلفة التي تزورني في يومي وانفعالاتي الناتجة عنها وأيضا أحب أن أتأمل في الكون من حولي. أحيانا عندما أفعل ذلك أجد خاطرة في نفسي أو أفكار بعضها أصطادها فأكتبها على شكل مدونة أو قصيدة أو تغريدات والبعض الآخر يختفي... وقد تأملت الخوف أريد أن أكتشف حقيقة الخوف, وكنت قد تأملتها من قبل وتأملت العلم, وقلت في نفسي وكأن الإنسان خلق ليعلم ومن بعد أن يعلم يعمل بما علم... فقلت لعل سبب ذلك أن أصل الخير العلم, وأصل الشر الجهل. وبيان ذلك, إن تأملت سبب خوفك من أي شيء لوجدت أن أصل هذا الخوف هو الجهل. وكأن الخوف حالة طغيان ظلمات الجهل وانطماس نور العلم...

وتفصيل ما سبق, إن الإنسان قد يخاف من السبع, أو يخاف من الجان وغيرهما من مخلوقات الله بسبب أن علمه لم يكمل... فإن الإنسان إن لم يعلم أنه لا شيء يضره إلا بإذن الله, ولا شيء يتحرك في هذا الكون إلا بإذن الله فربما سيطر عليه الخوف و إن زعم بأنه يعلم هذه الحقيقة. أقصد أن الخائف ربما علم المصطلحات والمفاهيم ولكنه جهل حقيقة معاني هذه الكلمات, فإن علم ذلك يقينا وعلم أن من أسماء الله الحسنى الرحيم والحكيم لعلم أن هذا المخلوق الذي أمامه لن يضره, وكيف لمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا أن يضر غيره إلا بإذن الله!؟ فلذلك سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الهجرة لم يخف من الكفار أبدا عندما كان في الغار بل كان يُطمئن أبو بكر رضي الله عنه قائلا: "لا تحزن إن الله معنا" فإن تأملت سبب هذه القوة والثبات لوجدته بسبب العلم. العلم بأن الله لن يضيعه, بأن الله لن يسلط عليه الأعداء, ولعلمه بأن لن يصيبه إلا ما كتب الله عليه أن يصيبه, فكان مطمئن القلب صلى الله عليه وسلم. 

مثال آخر من واقع الحياة, لو وضعوك في غرفة مغلقة وهي مظلمة قد تخاف, تقول: "قد يخرج لي جني, وقد يكون في الغرفة حية أو مخلوق قد يؤذيني وربما إن وضع أحد يده على ظهرك صرخت من الخوف! أما إن وضعت الطفل الرضيع في نفس الغرفة لن تجده يخاف لأنه يجهل هذه المخاوف يجهل وجود الجني أو معنى العدو أو معنى الإيذاء وغير ذلك فلا يخاف من هذه الأمور. قد تتساءل وتقول إذا هنا الجهل نفع هذا الطفل والعلم أضر بالرجل؟ فكيف تدعي أن أصل الخوف هو الجهل!؟ أقول ليس هناك تناقض, فالرجل خاف لأنه عنده قليل من العلم وكثير من الجهل, عنده قليل من العلم وهو أن الجني مخلوق قد يؤذيه ولكن جهله أعظم من علمه, وإلا لو كان علمه كاملا, لعلم أنه لن يضره شيء إلا بإذن الله, ولو اجتمعت المخلوقات كلها على إيذائه فلن تستطيع أن تؤذيه ولكن لجهله بهذه الحقيقة الكونية يشعر بالخوف. المجاهد كان يجاهد مع رسول الله يتوق إلى الشهادة والمنافق يخاف من الجهاد؟ ما الفرق!؟ الفرق أن المجاهد كان عالما بأن إن استشهد لقي خيرا مما هو فيه الآن, ولكن المنافق كان عنده قليل من العلم, كان عنده علم إن قاتل ربما قتل ولكن جهل حقيقة أعظم وهي: ((قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ)) فلأنه يجهل هذه الحقيقة يمتلئ قلبه خوفا. في عملك, تخشى مديرك لأنه قد يطردك من العمل لأنك تعلم شيئا يسيرا أن لديه سلطة في أن يطردك ولكن لو كان علمك كاملا لم تخشاه قط, لأنك تعلم يقينا بأن الأرزاق بيد الله فلا تخاف هذا المخلوق.

مثال من واقع حياتي, عندما توفي أخي الذي كان بعمري, ظللت بعدها أيام لا أكاد أن أخطو خطوة إلى الأمام إلا وأنا خائف, وكأني أشعر بأن ملك الموت خلفي سيقبض روحي أية لحظة! خائف أن أموت فجأة كما مات أخي بلا سابق انذار وهو في كامل صحته وشبابه. نعم خفت لأني كنت غافلا عن حقيقة الموت وكأنه غير موجود أو كأن عندي عهد عند الله أني سأبقى خالدا في هذه الدنيا وإن لم أكن أصرح بذلك! فعلمت جزءا من الحقيقة وهي أنه لابد لي من الموت... بعدها بفترة اجتزت هذه المرحلة الصعبة بفضل الله فقد منحني الله علما بأن هذه الدنيا قصيرة وأن الموت لا يعني العدم, لا يعني نهاية كل شيء, بل هي مفارقة متاع اعتادت عليه نفسي, وفراق عالم صغير إلى عالم أعظم, مثل الجنين في بطن أمه, وكأن بطن أمه هو العالم وهو يرضى بذلك ولكن عندما يخرج إلى هذا العالم يستحقر عالمه السابق في بطن أمه بل هل هناك أحد من البشر يريد أن يعود اليوم إلى بطن أمه!؟ 

هكذا شيئا فشيئا هذا التعلق بهذه الأمور من حولي ضعف, وما إن ضعف هذا التعلق هان علي الأمر وذهب عني الخوف العظيم الذي كنت أجده في قلبي من الموت وبدأ قلبي يتعلق بالله أكثر, أريد أن أسمع عن الله واليوم الآخر والملائكة وأوصاف الجنة...الخ لا أزعم إني لا أخاف الموت أو لا أحب الدنيا فإن قلت ذلك فأنا كذاب, أحبها وأخاف الموت لكن الحب بنسبة والخوف بنسبة أقل بكثير من السابق ولله الحمد والمنة. كل ذلك بفضل العلم الذي رزقني الله وأقول: ((رب زدني علما)). فتأمل أيها القارئ, عندما علمت جزءا وما أجهله كان أعظم كنت أخاف الموت بل شعور الخوف سيطر على نفسي, ولكن عندما غلب العلم على الجهل في موضوع الموت سهل علي وتحررت من مشاعر الخوف إلى مشاعر أصفها بالراحة والسكينة و الطمأنينة... 

فإن قلت: لم المؤمن يخاف الله!؟ أليس سبب خوفه هو العلم؟ أقول لأن المؤمن مهما عظم إيمانه, ومهما كان عنده من العلم فإن ما يجهله عن الله أعظم بكثير من ما يعلمه. فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله ازداد علمه بأن ما يجهله عن الله أعظم بكثير, فسبحانه ((لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) و ((وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)) لذلك تجد أشد الناس خوفا من الله هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, لأنهم علموا عظمة الله فما خفي عنهم عن الله أكثر بكثير مما علموه. ألا تجد في القرآن أن الله يأمر نبيه بأن يقول: ((وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ)) وفي الحديث عن أم العلاء وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : "طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون . فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه ، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، شهادتي عليك ، لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي" ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه وهو قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن ليكون عبدا شكورا, عبدا علم أنه لا يحصي نعم الله عليه وإن كان رسولا. 

ولهذا تجد ضعاف الإيمان لا يخافون الله كالأنبياء, عندهم علم بأن الله موجود ولكن ليس عندهم علم بأن الله شديد العقاب, ولا يفقهون اليسير من معاني أسمائه العزيز الجبار المتكبر! وكأنهم يجهلون هذه الحقيقة: ((إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)) وكأنها غير موجودة, كما يجهل الرضيع وجود الجني أو المخلوق الذي قد يؤذيه فلا يخاف. ابليس عندما عصى الله سبحانه في موضوع السجود لآدم كان أصل تكبره عن أمر الله هو الجهل, وأصل توبة آدم عليه السلام كان هو العلم, العلم بأن الله يغفر الذنوب, وأن الله عظيم يستحق أن لا يعصى ويعلم خطورة عصيانه فلذلك تاب وأناب إلى ربه فاجتباه ربه وهداه. فالعلم أحبتي في الله أصل كل خير والجهل أصل كل شر ولعل ما ذكرت في هذه المشاركة أحد أسباب تكرار ذكر فضائل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية, هذا والله أعلم وأسأله أن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بما علمنا...

No comments:

Post a Comment